
يطرح التعليم المجتمعي نفسه كأداة تحررية تتجاوز التعليم التقليدي القائم على التلقين والنقل المعرفي، ليُعيد للإنسان موقعه كفاعل واعٍ في صياغة مصيره والمشاركة في بناء مجتمعه. إنه ممارسة نقدية تعزز الوعي، وتفتح المجال أمام المشاركة المجتمعية الخلّاقة في المجالين الثقافي والاجتماعي. وفي هذا السياق، يصدر الائتلاف التربوي الفلسطيني، بالشراكة مع المراكز المجتمعية لتعليم الشباب والكبار، هذه الورقة التي تسلط الضوء على الأدوار الحيوية لتلك المراكز في دعم التنمية المستدامة وتجسيد حق الإنسان في التعلم مدى الحياة.
تشكل هذه المراكز فضاءات حيوية لبلورة الفكر النقدي وتعزيز الإبداع الفردي والجماعي، مما يسهم في بناء مجتمع فلسطيني عادل ومستنير، قادر على مواجهة التهميش وصياغة مستقبله بوعي واستقلالية.
أولًا: أهمية المراكز المجتمعية لتعليم الشباب والكبار
تضطلع هذه المراكز بدور محوري في إعادة تعريف التعليم بوصفه وسيلة للتحرر الفردي والجماعي، ومن أبرز أدوارها:
1. إعادة تعريف مفهوم التعليم: من خلال توفير فرص بديلة للفئات المهمشة، خاصة النساء والشباب، لاستعادة حقهم في التعلم والمشاركة في عملية تنموية قائمة على الوعي والتحرر.
2. تمكين الأفراد والمجتمع: عبر تنمية المهارات المعرفية والعملية التي تعزز الاستقلالية، وتشجع على المشاركة الفاعلة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
3. تعزيز ثقافة المشاركة: بتشجيع الأفراد على الارتباط بمجتمعاتهم والمساهمة في إعادة بنائها وفق قيم العدالة والكرامة الإنسانية.
4. الاستجابة للأزمات: من خلال مرونة برامجها، تسهم هذه المراكز في مواجهة التحديات السياسية والاجتماعية المستجدة، وتقديم حلول تعليمية متكيفة مع الواقع.
ثانيًا: الاحتياجات الأساسية لمراكز التعليم المجتمعي
حتى تؤدي هذه المراكز رسالتها التحررية والتنموية بفاعلية، فإنها بحاجة إلى:
1. تطوير البنية التحتية: عبر توفير بيئات تعليمية حديثة تشمل تقنيات تعليمية محفزة للإبداع والتفكير النقدي.
2. تأهيل الكادر البشري: من خلال برامج تدريبية مستمرة تواكب المناهج التربوية التشاركية والحديثة.
3. تأمين تمويل مستدام: عبر شراكات وطنية ودولية لضمان استمرارية البرامج التعليمية وتوسيع أثرها.
4. تصميم برامج مرنة ومتنوعة: تلائم التعدد الثقافي والاجتماعي، وتستجيب للاحتياجات المهارية والاقتصادية.
5. رفع الوعي بأهمية التعليم المجتمعي: لتعزيز ثقافة التعلم مدى الحياة بوصفه حقًا أساسيًا وركيزة للتنمية.
ثالثًا: المطالب المشتركة
يطالب الائتلاف التربوي الفلسطيني والمراكز المجتمعية بمجموعة من الإجراءات الجوهرية، أهمها:
1. الاعتراف الرسمي بالمراكز المجتمعية كجزء من النظام التعليمي الوطني، ودمجها ضمن الاستراتيجيات التربوية.
2. إدماج التعليم المجتمعي في سياسات التنمية المستدامة وتحقيق أهداف التعليم الشامل وتعزيز الوعي الثقافي.
3. تخصيص موازنات حكومية سنوية لضمان استمرارية وتطوير هذه البرامج.
4. تعزيز الشراكات مع الوزارات والمؤسسات المحلية لتطوير برامج تعليمية ملبية لاحتياجات الفئات المهمشة.
5. تصميم برامج مهنية وتقنية مرتبطة بسوق العمل، تراعي خصوصية المجتمع الفلسطيني وتنوعه.
رابعًا: التوصيات
لضمان فاعلية المراكز المجتمعية واستدامتها كأدوات للتحرر والتنمية، توصي الورقة بما يلي:
1. اعتماد هذه المراكز ضمن الخطط الوطنية للتعليم والتنمية، لا سيما في وزارات التعليم والعمل والتنمية الاجتماعية.
2. دعم المانحين الدوليين ماليًا وفنيًا لضمان ديمومة البرامج وتوسيع نطاقها.
3. دمج المراكز في الخطط التنموية المحلية من خلال دعم البلديات والهيئات في إنشائها وتعزيز قدراتها.
4. وضع آليات تقييم دورية لقياس أثر البرامج على بناء الوعي وتمكين الأفراد.
5. إطلاق حملات توعوية ومناصرة لترسيخ ثقافة التعلم مدى الحياة وتعزيز الاعتراف المجتمعي بالتعليم غير النظامي.
ختامًا
تمثل المراكز المجتمعية لتعليم الشباب والكبار، بالشراكة مع الائتلاف التربوي الفلسطيني، منصات حيوية لتحرير الوعي وبناء مجتمع يقوم على العدالة والكرامة والاستقلالية. إن دعم هذه المراكز ليس رفاهية تربوية، بل ضرورة وطنية وإنسانية. فالتعليم المجتمعي هو استثمار في الإنسان، وفي قدرته على تحويل المعرفة إلى طاقة تحرر ومقاومة، تشكل أساسًا لبناء مجتمع فلسطيني أكثر وعيًا، وتمكينًا، وقدرة على رسم مستقبله بإرادته الحرة.